الملح


بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

جلس قحطانُ مع عائلتهِ لتناولِ طعامِ الغداءِ. وحين أكل بضعَ لقيماتٍ قال لأمهِ: إن هذا الطعامَ ليس لذيذًا، فكأنه ينقصه شيء، فقال الأبُ: نعم يا بني فإن أمكَ قد نسيت أن تضيف الملح، والملحُ هو الذي يعطي الطعامَ لذتَه، فإن قلَّ مقدارُه ساء الطعامُ. وإن زاد ساء الطعامُ. والطباخُ البارعُ هو الذي يتقن مقدارَ الملحِ الذي يلزم الطعامَ.
قال قحطانُ: لقد أرسلتني أمي لشراءِ الملحِ أكثرَ من مرةٍ، لكني لم أفكرْ مرةً أن أسألَ نفسي من أين يأتي الملحُ؟ وضحك الأبُ لقول ابنِهِ وقال: ألم أصطحبْكَ معي إلى البحرِ لتعلم السباحةِ؟ قال قحطانُ: إني أذكرُ ذلكَ، قال الأبُ: أو لم يدخلِ الماءُ في فمِكَ؟ قال قحطانُ: بلى وكان طعمُهُ مالحًا...وقال الأبُ: أحسنت، فماءُ البحرِ مالحٌ ومنه يستخرج الملحُ. فإن تجارَ الملحِ يصنعون مسطحاتٍ من الإسمنتِ معرضةً لأشعة الشمسِ ويملؤونها بماءِ البحرِ فتقع عليها أشعةُ الشمسِ فيتبخرُ الماءُ ويبقى الملحُ على الأرضِ فيُكشَطُ الملحُ ويعبأ في أكياسٍ. وحسب استعمالِ الملحِ تكون معاملتُه، فإن كان الملحُ سيستعملُ في الصناعةِ ظاهرًا كدبغ الجلود فإنه يستعمل كما هو. أما إن كان يستعمل في الطعامِ فإنهم يعاملونه معاملةً خاصةً، فيخلصونه من الرمالِ والشوائبِ حتى يصبح أبيضَ نظيفًا صالحًا للاستعمالِ الغذائيِ.
وهناك مصدرٌ آخرُ للملحِ وهو الملحُ الصخريُّ، فلقد خلق اللهُ حجارةً من الملحِ هي في قشرة الأرضِ، حيث تحفر مٌشَكِّلة ما يسمى مناجمَ الملحِ مثل مناجمِ الفوسفاتِ، أو مناجمِ الحديدِ. ويتنوع التصرفُ بهذا الملحِ: فحالاتٌ يصلح فيها الملحُ كما يستخرجُ من المنجمِ، وحالات أخرى تقتضي تنظيف هذا الملحَ من الشوائبِ، وهو ما يستعمل في الأطعمةِ. وقد تضاف بعضُ الموادِ الكيميائيةِ إلى هذا الملحِ كمادة اليودِ أو المغنزيومِ. وهذا الملحُ يعرف في الأسٍواقِ باسمِ «الملح الصخري»، وهو في المحلِ أرخصُ من الملحِ البحري وأصلح لحالات المخللات وتقديدِ اللحومِ.
وأخيرًا، لقد نصح الأطباءُ بعدم الإفراطِ في تناول الملحِ، لأنه يؤدي إلى ارتفاعِ الضغطِ الشرياني، لذلك أوصيك يا بني بألا تفرِّطَ في تناولِ الملحِ.